من “الشبرية” إلى العربات الذكية: كيف خدم أهالي الباحة ضيوف الرحمن قديمًا؟

في عمق جبال الباحة، وفي قلب تاريخ الجنوب، يحتفظ أهالي المنطقة بذكريات لا تمحى من مواسم الحج في الماضي. لم تكن تلك الأيام مجرد مناسبات دينية، بل مواسم للعمل والمشاركة في خدمة الحجاج، من خلال أدوات بدائية مثل “الشبرية” والعربات الخشبية، التي جسّدت روح العطاء والكرم.
“الشبرية”: سرير الخشب الذي حمل ضيوف الرحمن
كانت الشبرية -وهي سرير خشبي مشدود بحبال القنب- من أبرز الوسائل التي استخدمها شباب الباحة في خدمة الحجاج من كبار السن وذوي الاحتياجات. تُحمل على الأكتاف، ويهتف حاملها بنداء “خشب خشب”، الذي أصبح لازمة مألوفة في أروقة الحرم.
يقول صالح الزهراني: “عملت مع والدي في الشبرية لسنوات، وكان الطواف بالساعات الطويلة يحتاج إلى صبر وقوة وتحمل… لكنه شرف كبير لا يُنسى.”
العربات الخشبية: من الخشب إلى الإسفنج والحديد
وفقًا لمحمد علي الزهراني، تطورت العربات اليدوية من الخشب إلى الهياكل المعدنية المغطاة بالإسفنج الأخضر، لكنها احتفظت بدورها الإنساني النبيل في مساعدة الحجاج. كانت هذه العربات تصدر برخص رسمية وتحمل لوحات، ويمكن بيعها أو نقل ملكيتها بين العمال داخل الحرم.
شباب الباحة… موسم الحج مصدر رزق واعتزاز
لطالما كان موسم الحج فرصة للشباب في منطقة الباحة للعمل الشريف. يقول سعد الغامدي الذي تجاوز الثمانين: “أول رحلة لي للحج كانت قبل أكثر من 60 عامًا… كان الطريق صعبًا، والعمل في العربات مرهقًا، لكنه مليء بالفخر”.
“المحفات” تاريخيًا: من الهودج إلى المحمل
يشير محمد ربيع الغامدي إلى أن الشبرية هي واحدة من أنواع المحفّات التقليدية التي عرفتها الجزيرة العربية، مثل:
- الهودج: مخصص للنساء، يُحمل على ظهور الجمال.
- المحمل: لنقل الكسوة والصرّة للحرمين.
- الشقدف: ينقل عدة حجاج على ظهر جمل واحد.
وكان لكل نوع منها وظيفة وأهمية في حياة الناس وطقوس الحج في الزمن الماضي.
من الماضي إلى الحاضر… تطور متسارع بخدمة الحاج
منذ تأسيس الدولة السعودية، وتحديدًا في العهد الحديث، شهدت خدمات الحج نقلة نوعية. تحولت “الشبرية” والعربات البدائية إلى وسائل نقل ذكية، وعربات كهربائية، ومنظومة صحية وأمنية وتقنية متكاملة، تُدار بأحدث التقنيات لخدمة ضيوف الرحمن.
ما زالت الذاكرة الشعبية في الباحة تحتفظ بهذه القصص، ليس فقط كتاريخ، بل كقيمة إنسانية تؤكد على عمق العلاقة بين الجنوب وموسم الحج، بين الماضي المتواضع والحاضر المزدهر.