منوعات

كيف خدعت إسرائيل العالم وبنت ترسانة نووية سرية؟ تفاصيل من داخل مشروع ديمونا في صحراء النقب

في تحقيق استقصائي نشرته صحيفة واشنطن بوست، كُشف النقاب عن تفاصيل غير مسبوقة حول كيف تمكنت إسرائيل من بناء ترسانة نووية سرية، بعيدًا عن أعين العالم، وخصوصًا الولايات المتحدة، حليفتها الكبرى، وذلك منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم.

وبين التعتيم السياسي والخداع الفني، استطاعت تل أبيب تأسيس واحد من أكثر البرامج النووية غموضًا في العالم، ليُصبح عنصرًا جوهريًا في استراتيجيتها الأمنية الإقليمية.


البداية: قرار استراتيجي في وجه الرفض الدولي

في منتصف خمسينيات القرن الماضي، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، ديفيد بن غوريون، أن وجود سلاح نووي هو الضمانة الوحيدة لردع الدول العربية. استغلت إسرائيل تحالفها مع فرنسا عقب أزمة السويس عام 1956 لتبدأ بناء مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب، تحت ستار التعاون المدني.

وفي حين زوّدت النرويج إسرائيل بـ”الماء الثقيل” الضروري للتفاعلات النووية، قدمت إسرائيل تأكيدات كاذبة بأن المشروع “لأغراض سلمية”، ما مكّنها من تفادي الرقابة الدولية في تلك المرحلة.


التمويه: مصنع نسيج أم منشأة نووية؟

مع اكتشاف الاستخبارات الأمريكية لمنشأة ديمونا أواخر الخمسينيات، زعمت إسرائيل في البداية أنها “مصنع نسيج”، ثم عدلت القصة لتُعلن أنه مركز “أبحاث معدنية”.

لكن الحقيقة كانت أكثر تعقيدًا، إذ شُيّد تحت المفاعل مصنع لإعادة معالجة البلوتونيوم، تم إخفاؤه باستخدام جدران مزدوجة ومصاعد سرية وغرف تحكّم وهمية، بهدف خداع المفتشين الأمريكيين.


مواجهات سياسية وتفتيش صوري

في عهد الرئيس الأمريكي جون كينيدي، تم الضغط على إسرائيل للسماح بتفتيش ديمونا. ورغم السماح بعدة زيارات أميركية، فإنها لم تكشف شيئًا عن مصنع البلوتونيوم السري، نتيجة تخطيط دقيق وتدريبات مكثفة للفنيين الإسرائيليين للتظاهر بأن كل شيء ضمن الاستخدام السلمي للطاقة.

وحتى عام 1968، خلصت وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) إلى أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية فعلًا، دون أن تتمكن من منعها أو كشف برنامجها علنًا.


اتفاق سري مع واشنطن وخرق محتمل

في عام 1969، توصل الرئيس ريتشارد نيكسون إلى اتفاق سري مع رئيسة الوزراء غولدا مائير، يقضي بعدم إعلان إسرائيل عن أسلحتها أو إجراء اختبارات نووية، مقابل امتناع واشنطن عن فرض رقابة على ديمونا أو مطالبة إسرائيل بتوقيع معاهدة حظر الانتشار النووي.

لكن في 1979، التقط قمر صناعي أمريكي تجربة نووية يُعتقد أنها إسرائيلية قبالة سواحل جنوب إفريقيا، ما أثار شكوكًا قوية بحدوث خرق للاتفاق. غير أن إدارات كارتر وريغان اختارت تجاهل الحدث للحفاظ على التحالف الإستراتيجي مع تل أبيب.


90 رأسًا نوويًا في 2025: الواقع الذي تجاهله العالم

بحسب تقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تمتلك إسرائيل في عام 2025 حوالي 90 رأسًا نوويًا، مع قدرة على إنتاج ما يصل إلى 300 رأس في المستقبل.

هذا التقدم النووي غير المعلن رسميًا يطرح أسئلة حادة حول مصداقية نظام حظر الانتشار العالمي، والمعايير المزدوجة التي يُنظر بها إلى برامج مثل إيران وكوريا الشمالية، مقارنة بإسرائيل التي لم توقّع حتى اليوم على معاهدة حظر الأسلحة النووية.


 استراتيجية الخداع وتحديات المستقبل

يُظهر هذا الملف كيف استطاعت إسرائيل بناء برنامج نووي متكامل باستخدام الدعم الغربي والتضليل المنهجي، في ظل تعقيدات الجغرافيا السياسية. وما زال الغموض النووي الإسرائيلي واحدًا من أكثر الملفات المثيرة للجدل في الشرق الأوسط، وسط دعوات متزايدة لإخضاع تل أبيب لنفس المعايير المفروضة على بقية دول المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى