منوعات

باحث فلسطيني يوثّق تراث غزة في فرنسا بعد نجاته من الحرب

في قلب مكتبة فرنسية بمدينة إكس-أن-بروفانس، يجلس عبد اللطيف أبو هاشم، المؤرخ الفلسطيني القادم من رفح، وقد انهمك في تكبير حروف مخطوطة عثمانية قديمة من غزة تعود للقرن التاسع عشر. بعد أسابيع من مغادرته القطاع المنكوب، لم يتأخر في مواصلة مهمته الأهم: حفظ تراث غزة الثقافي من النسيان.

من رفح إلى إيريمام: العلم لا يعرف حدودًا

تم إجلاء أبو هاشم في أبريل 2024 بفضل برنامج “Pause” التابع لـ”كوليج دو فرانس”، والذي يستضيف الأكاديميين المهددين في بلدانهم. استُقبل في معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي “إيريمام”، حيث وفرت له المكتبة الوسائطية أكثر من 200 ألف كتاب، منها 40 ألفًا بالعربية.

رغم فداحة ما خسره، خاصة مكتبته الشخصية التي كانت تضم 20 ألف كتاب، لم يتوقف الباحث عن العمل. “إن كان لا بد أن أموت، فليكن ذلك وأنا أقرأ”، هكذا وصف اللحظات التي اختار فيها البقاء بين كتبه بينما كانت القنابل تنهال على غزة.


ما بين الوثائق والمجازر: الباحث اللاجئ والمهمة المستحيلة

لم تكن الحرب الأخيرة مثل سابقاتها. يصفها باحثون ومنظمات حقوقية بأنها حملة تطهير عرقي ممنهجة. دُمّرت البنى التحتية التعليمية، وتشرد مئات الأكاديميين، وكان عبد اللطيف أحد القلائل الذين حالفهم الحظ بالنجاة والاستمرار في البحث.

على الرغم من أنه وعائلته يقيمون الآن في سكن جامعي بسيط، فإن قلبه لا يزال معلقًا في غزة، حيث تعيش ابنته الحامل وأحفاده. يقول: “أكثر ما أفتقده هو أصوات ضحكاتهم حين أعود من السفر”.


يوسف القدرة… قصيدة من رماد غزة

رافقه في الرحلة الشاعر يوسف القدرة، الذي شارك مؤخرًا في طاولة مستديرة حول مشروع قانون جديد يمنح صفة “لاجئ علمي”. هناك، ألقى قصيدة عبّر فيها عن معاناة الفلسطينيين العالقين بين الحياة والموت، قائلًا:


“الناجون لا ينامون مع الأشباح،


أنا الباقي في الهواء،


في الرماد،


في حنجرة الأغنية التي انقطعت فجأة.”


تحديات يومية رغم النجاة

ورغم استقبالهم الرسمي، لم يحصل عبد اللطيف ويوسف بعد على حسابات مصرفية أو وثائق جديدة. أوراقهم الثبوتية أُتلفت في القصف، ولا زالوا ينتظرون تدخل القنصلية الفلسطينية. تقول نوريغ نوفو، مؤرخة في معهد “إيريمام”: “التحديات الإدارية لا تقل قسوة عن الحرب”.


إحياء ذاكرة غزة المفقودة

يرى عبد اللطيف أن ما يقوم به اليوم من توثيق وترميم للمخطوطات هو محاولة لـ”إظهار الوجه الحقيقي لغزة”. يقول:


“يحاول الاحتلال محو تاريخ غزة… ما أعمل عليه الآن هو الأرشيف الوحيد المتبقي، ولا توجد منه نسخ أخرى. كانت غزة يومًا ما مدينة للعلم، يقصدها الطلبة من أثينا ودمشق.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى